الانتخابات النيابية: مجموعات “الانتفاضة” تشتري الوقت وتستعد لـ”نداء زحلة”
لعلّ المفارقة الكبيرة اليوم بالنسبة إلى مجموعات الانتفاضة تتمثل في عدم رغبتها الآنية في خوض تحدي الانتخابات النيابية المقبلة، مع تحيّنها في الوقت نفسه الفرصة البعيدة زمنيًا بعد اكتمال ملامح تحضيراتها الجبهوية التي تعمل عليها على قدم وساق في سباق مع الوقت.
هذه المفارقة تبدو غريبة لكنّها واقعية بعد خروج أصوات تدعو إلى تقريب موعد الانتخابات، وهذا يدلّ على مأزق ما زالت تلك المجموعات تعيشه يتعلق أولًا في تنظيم الذات كما الخروج من حساسيات طفت على السطح بين مكونات داخل الجبهة الواحدة ناهيك عن العلاقة بين الجبهات والإئتلافات نفسها التي تشكّلت حديثًا.
وعلى رغم التعاطف الشعبي الكبير مع حراك 17 تشرين، إلّا أنّ مجموعات الانتفاضة تعلم يقينا انّ أحزاب الحكم ومكوناته تحتفظ بالمبادرة وهي شرعت أخيرًا في تدارك شعبيتها المتراجعة عبر خدمات مختلفة قدّمتها إلى جمهورها وهي طبعًا بمثابة الرشوة الانتخابية، لكن في شكل قانوني!
ربما تكون الجبهة التي أعلنت عن نفسها على شكل نداء في 13 نيسان الماضي في مركز “حزب الكتلة الوطنية” هي الأكثر جديّة بين الأخريات، هذا مع العلم أنّ النبض الشعبي لـ 17 تشرين لا يمكن لأيّة جهة أن تختزله في ذلك البحر من المؤيدين الذين كفروا بالأطر والأحزاب ويتوقون إلى هويات تمثيلية جديدة خارج منظومة الحكم القائمة حاليا.
تعلم المجموعات ذلك تماما، وبينما يطغى على الجبهة التي يرعاها حزب “الكتائب” الجانب السلطوي وتختصرها الرغبة بالحكم والاستفادة من التراجع في شعبية العهد و”التيار الوطني الحر”، وهو ما تفسره الدعوة إلى تقريب موعد الانتخابات، فإن المنضوين في الجبهة المقابلة يرفعون شعارا أكثر عمليّة وواقعية.
تقوم هذه الجبهة على أسس سابقة في الحراك وأخرى ولدت في خضمه. والأسماء هنا تتعدّد من أركان هي “تحالف وطني” و”المرصد الشعبي لمحاربة الفساد” و”بيروت مدينتي” و”ثوار بيروت” إضافة إلى “الكتلة الوطنية”. ومجموعات أخرى مثل “منتشرون” و”حماة الدستور” وغيرهما..
تستند هذه الجبهة على إرث بعض المجموعات وعلى إسمَي بولا يعقوبيان وواصف الحركة على وجه الخصوص، وهي في الواقع لم ترغب في إعلان رسمي للجبهة لفتح الإمكانية لاستقطاب المزيد من المجموعات وهو ما يحصل فعلًا.
هو بالأحرى أشبه بالعمل الجبهوي المرجوّ الذي يستند إلى وثيقة سياسية ونظام داخلي غير حديدي، والهدف المعلن الأوّل هو تشكيل معارضة سياسية فوق الحساسيات والموروثات المناطقية وتلبي في الوقت نفسه حاجتها. ثم يأتي هدف استقطاب الاشخاص المعنيين ببلورة مشروع طموح كهذا وتحقيق اشتباك سياسي بكل الوسائل المتاحة سياسيا وديموقراطيا.. ثم يأتي هدف الانتخابات كما يقول هؤلاء.
وبغض النظر عن ترتيب الأولويات، فإنّ هدف الانتخابات قد لا يكون في ذيل ذلك الترتيب، وهو أمر بديهي حتى لو لم تجاهر به الجبهة التي أقامت بعد فترة على إعلان ولادة حركة جديدة تحت تسمية “أسس”.
مواجهة لعصبيات السلطة
هناك كانت الاستضافة لمجموعة “زغرتا الزاوية تنتفض” التي تحوّلت إلى “أسس” التي اختير الاسم لها كون الناشطين يعملون كثيرا “في الأساس” كما يؤكدون، وقد كانت النواة للحركتين لائحة “زغرتا غدنا” التي تمخضت عن حركة مدنية خاضت الانتخابات البلدية العام 2016.
وقد ضمّ نداء زغرتا 28 مجموعة، أي 12 مجموعة إضافية على النداء الأوّل في “الكتلة الوطنية” في 13 نيسان الماضي. وثمة نقاش على أن تكون مدينة زحلة هي الوجهة الجديدة للنداء المقبل ومنه إلى المناطق الأخرى.
تريد المجموعات إطلاق صرخة عابرة للمناطق وللطوائف وللحسابات الضيّقة والاحتفاظ قدر الإمكان بالشرائح الشعبية التي اكتسبتها الانتفاضة، في تحضير متأنّ، لكن مدروس، لموعد الانتخابات بينما تستنفر السلطة عصبياتها والمال والإعلام وطبعًا محاولاتها لتقسيم الحراك، وتنتظر المتغيرات الإقليمية والدولية لتعويم نفسها.
من هنا تأتي حاجة المجموعات لكسب الوقت، لا بل لشرائه في الأشهر التي يفترض أن تفصلنا عن موعد الانتخابات بعد عام.. في حال أقيم هذا الاستحقاق!
عمار نعمة